تلقيت دعوة لحضور مؤتمر صحفي لإطلاق الحملة الوطنية لحماية السيادة، واستعادة الدولة وتحقيق السلام في عدن، وهي حملة وطنية تستهدف إنهاء الانقلاب الحوثي على الدولة وإيقاف الحرب.
عناوين جذبتني، وتحققت تطلعاتي بالسلام العادل، وترسيخ فكرة الدولة، وإنهاء الحرب، وهي ذات العناوين التي يتوق إليها المواطن البسيط المصطلي بنار الحرب، والمكلوم من سيطرة أدواتها العنيفة، التي اتخذت من الحرب بيئة للعبث والتنمر ، وابتزاز الناس بعناوين مختلفة، لم تقدم لهم غير الجوع والمجاعة، وتلوث حياتهم بلوثة الاستبداد والقهر، لتفرز غثاء قذرا من الكراهية والعنصرية، لتشق النسيج، وتفخيخ الواقع بالمزيد من المتفجرات، التي تتفجر في وجوه الأبرياء والبسطاء من عامة الناس، لتعيش طبقة باغية وطاغية في نعيم من الفساد والإفساد.
وبدأت أعد نفسي للمشاركة، واذا التلفون يرن، برسالة تحذرنا من الحضور، وأن الأمن قد منع إطلاق الحملة، وهو تكرر لما حدث ويحدث في واقع تحكمه لوثة العنف، التي لا تريد للحرب ان تضع أوزارها، فلا يوجد في قاموسها، (سلام، ودولة، وشراكة)، هي تستمد شرعيتها من البندقية، وطائرات الغدر التي تعيد تموضعها كلوثة، تعيق السلام والتوافق وترسيخ فكرة الدولة.
عادت بي الذاكرة لمنع تجمع أبناء عدن والجنوب، وندوة الحراك الثوري، بقوة السلاح، واقتحام القاعة بجنود لا حول لهم ولا قوة، غير انهم ينفذون تعليمات عليا، تجد فيهم من يهدد ويتوعد ويتنمر، وفيهم من يعتذر ويخجل من العملية نفسها، مما يعكس ان في تلك الكيانات الطارئة بذورا خير، قد يأتي يوما تغلب الشر المسيطر عليها.
ما يحدث ان العقل الذي يدير الواقع، ويصدر تعليماته لتلك التشكيلات العسكرية، لم يستوعب بعد دروس الماضي، لم يعتبر مما حدث، ويكرر ماضينا بصورة اكثر مأساوية، ويعتقد انه ينجح، وهو يترنح ويسقط، ويجد من يقدم له عكاز ليستقيم، ويدفع به لممارسة المزيد، عقل لا يفكر بغير كمْ سيكسب وكمْ يغنم، لا مستقبل يشغله غير الانتقام والثأر وحجم الكراهية التي تسكنه، ومرعوب من الماضي والحاضر والمستقبل معا، بل مرعوب من كل كيان يتشكل، ولقاء يجمع الاخرين، وحوار ندي صادق خارج سيطرته، واي صوت يبرز يعارض او يقدم النصيحة.
ما يحدث ما هي الا مسرحية هزلية، تحاول ان تصنع لنا شرعية الأمر الواقع، الذي يجب ان يخدم أطماع الإقليم، والدول الاستعمارية، والاحتكارات والاستخبارات الدولية، والدليل واضح وضوح الشمس، ان كل منطقة يزعم أنها تحررت، يكتشف سكنها انهم يختنقون اكثر، يصطلون بنار الحروب العبثية اكثر، والفساد والافساد، الظلم والقهر، النهب والسلب، والإرهاب بكل اشكاله، يفقدون روح الدولة، ليجدوا أنفسهم تحت سطوة لا دولة.
لم نر غير حملات عنف، ولم نشهد أي حملات تنمية تلبي تطلعات الناس بمداميك الدولة المحترمة، وتحسين مستواهم المعيشي، وتطور الخدمات العامة، وتضبط إيقاع الحياة، وتوفر الامن والأمان، وتفعل دور أدوات العدالة لتحقيق عدالة اجتماعية، لتقدم للناس مثالا ينعش لديهم روح التفاؤل بالمستقبل المنشود.
ما يحدث غير مزيد من سفك الدماء والانتهاكات، وفتح السجون والمعتقلات للمعارضين وتهجيرهم، لم نر غير تمدد المسيء والأسوأ، وتصفية رموز الدولة ورجال السيادة والحق، وهذا ما يعزز روح المقاومة والتصدي، الروح التي ستنتصر اليوم او غدا، هي روح الإرادة الشعبية والوطنية.